حين يقرع الزمن جرس الخصوبة للمرأة | انخفاض عدد البويضات وجودتها

كيف تحافظين على صحّتكِ الإنجابيَّة مع تقدُّم العمر؟
“كان لديّ متّسع من الوقت، أو هكذا ظننتُ!”
جلستُ على الأريكة، أتأمَّل انعكاسي في شاشة هاتفي وأنا أقرأ مقالًا عن مخزون المبايض وجودة البويضات. شعرتُ بوخزة قلقٍ في داخلي، فأنا الآن في الثالثة والثلاثين من عمري، ولم أُفكِّر بجديَّة في الإنجاب من قبل. فجأة، بدأتُ أسمع مصطلحات جديدة: AMH”اختبار مخزون المبايض”، وجودة البويضات، والعمر البيولوجي للمبيض، وتجميد البويضات. لكن ماذا لو لم يكن خيار تجميد البويضات متاحًا لي؟ إذ يبدو مكلفًا للغاية وليس متاحًا للجميع، هل هناك شيء يمكنني فعله؟
هذا التساؤل لا يخصّني وحدي، بل هو واقع تعيشه الكثير من النساء اللاتي يؤجِّلن قرار الإنجاب لأسباب مختلفة، سواء كان ذلك لتحقيق الاستقرار المهني، أو لعدم إيجاد الزوج المناسب، أو ببساطة لأنَّ الحياة لم تمنحهن الفرصة بعد. فكيف يمكن للمرأة الحفاظ على صحّتها الإنجابيَّة لأطول فترة ممكنة دون اللجوء إلى تقنيات مكلفة؟
التغيُّرات البيولوجيَّة وتأثيرها على الخصوبة
لفهم تأثير العمر على الخصوبة، من المهم التعرُّف على التغيُّرات البيولوجيَّة التي تحدث في جسم المرأة مع التقدُّم في العمر.
1. انخفاض عدد البويضات وجودتها
عند ولادة الفتاة، يكون لديها ما يقارب مليون بويضة، ولكن هذا العدد يتناقص تدريجيًّا حتى يصل إلى حوالي 300,000 بويضة عند البلوغ.
عمليَّة فقدان البويضات (الأتريسيا Atresia)
كل شهر من بعد البلوغ، يتم تحفيز العديد من الجريبات المبيضيَّة (Follicles) في المبيض لتنمو استجابةً للهرمونات، ولكن بويضة واحدة فقط تصل إلى مرحلة الإباضة، بينما تتراجع الجريبات الأخرى وتتحلَّل في عمليَّة تُعرف بـ الأتريسيا (Atresia)، أي الموت الخلوي التدريجي للبويضات غير الناضجة.
كيف يحدث ذلك؟
- خلال كل دورة شهريَّة، يبدأ المبيض بتنشيط مجموعة من الجريبات (حوالي 10-20 جريبًا في المتوسط).
- في النهاية، يتم اختيار جريب واحد فقط ليصل إلى النضج التام ويطلق بويضته في عمليَّة الإباضة، بينما تتحلَّل البويضات الأخرى وتموت تلقائيًّا.
- هذه العمليَّة تتكرَّر شهريًّا، ممَّا يؤدِّي إلى فقدان حوالي 1,000 بويضة في كل دورة شهريَّة، رغم خروج بويضة واحدة فقط للتبويض.
هذه الخسارة مستمرَّة حتى الوصول إلى سنِّ انقطاع الطمث (Menopause)، عندما ينخفض مخزون البويضات إلى مستوى منخفض جدًا، ما يؤدِّي إلى توقُّف الدورة الشهريَّة. ولكن المشكلة ليست فقط في العدد، بل في جودة البويضات أيضًا، حيث تصبح أكثر عرضة للاضطرابات الجينيَّة مع التقدُّم في العمر، ممَّا قد يؤثِّر على فرص الحمل ويزيد من خطر الإجهاض أو التشوُّهات الجينيَّة.
2. التغيُّرات الهرمونيَّة وتأثيرها على التبويض
تلعب الهرمونات دورًا أساسيًّا في عمليَّة التبويض، ومع التقدُّم في العمر، تبدأ مستويات بعض الهرمونات في التغيُّر، ممَّا يؤثِّر على قدرة المبيض على إنتاج بويضات ناضجة. من أهمِّ هذه الهرمونات:
- هرمون FSH (الهرمون المنبِّه للجريب): يرتفع مستواه مع تقدُّم العمر، ممَّا يشير إلى انخفاض استجابة المبيض.
- هرمون AMH (هرمون مضادّ مولر): يعكس كميَّة البويضات المتبقية في المبيض، وينخفض مستواه تدريجيًّا مع انخفاض مخزون البويضات.
- الأستروجين والبروجسترون: مستوياتهما تتغيَّر، ممَّا قد يؤدِّي إلى عدم انتظام الدورة الشهريَّة وصعوبة التبويض.
ما هو مخزون المبايض؟ وكيف يؤثِّر على الخصوبة؟
كما قلنا المرأة تولد بعدد محدَّد من البويضات، يقدَّر بحوالي مليون بويضة عند الولادة، ولكن هذا العدد يتناقص تدريجيًّا مع مرور الوقت. عند سنِّ البلوغ، يكون لدى المرأة حوالي 300,000 إلى 400,000 بويضة فقط، ومع كل دورة شهريَّة يتمّ استهلاك عدد منها، حيث تفقد المرأة حوالي 1,000 بويضة شهريًّا. بحلول سنِّ الثلاثين، يبدأ هذا العدد في الانخفاض بشكل أسرع، وعند الاقتراب من سنِّ الأربعين، يقلُّ مخزون البويضات بشكل كبير، ممَّا قد يؤثِّر على فرص الحمل.
يتمّ قياس مخزون المبايض عبر اختبار مستوى هرمون AMH (Anti-Müllerian Hormone)، وهو مؤشِّر على عدد البويضات المتبقية لدى المرأة. كلما كان المستوى مرتفعًا، زادت احتماليَّة امتلاك المرأة لمخزون جيِّد من البويضات، والعكس صحيح.
أسئلة شائعة حول الخصوبة وتأثير الحمل ووسائل منع الحمل وتكيُّس المبايض على مخزون البويضات
هل تفقد المرأة بويضاتها خلال فترة الحمل؟
عندما تحمل المرأة، تحدث تغيُّرات هرمونيَّة كبيرة تؤدِّي إلى توقّف التبويض طوال فترة الحمل. والسبب في ذلك هو التأثير المثبِّط لهرمونات الحمل على نشاط المبيضين.
الهرمونات التي تمنع التبويض أثناء الحمل:
- ارتفاع مستوى هرمون البروجستيرون (Progesterone): يتمّ إفرازه بكميَّات كبيرة لمنع نمو أي جريبات جديدة ومنع بطانة الرحم من التجدّد كما يحدث في الدورة الشهريَّة العاديَّة.
- ارتفاع مستوى هرمون الإستروجين (Estrogen): يمنع الإباضة عبر تقليل تحفيز الهرمون المنشِّط للجريبات (FSH).
- إفراز هرمون الحمل (hCG – Human Chorionic Gonadotropin): الذي يمنع الإباضة من خلال الحفاظ على نشاط الجسم الأصفر (Corpus Luteum) المسؤول عن إفراز الهرمونات التي تدعم الحمل.
ماذا يحدث للبويضات خلال الحمل؟
بسبب هذه التغيُّرات الهرمونيَّة، تتوقَّف المبايض عن تحفيز الجريبات المبيضيَّة الجديدة، ممَّا يمنع عمليَّة فقدان البويضات الشهريَّة. هذا يعني أنَّ المرأة لا تفقد 1,000 بويضة شهريًّا كما في الحالة العاديَّة. لكن بمجرَّد الولادة أو انتهاء الحمل، تعود المبايض إلى نشاطها الطبيعي، وتستأنف عمليَّة فقدان البويضات والتبويض من جديد.
هل يمكن للحمل أن يحافظ على مخزون البويضات؟
رغم أنَّ الحمل يوقف فقدان البويضات لفترة مؤقَّتة، إلا أنه لا يمنع فقدانها على المدى الطويل. عدد البويضات المتبقية في المبيض سيستمرّ في الانخفاض مع تقدُّم العمر، حتى لو مرَّت المرأة بفترات حمل متعدِّدة. لذلك، الحمل لا يعكس تأثير الشيخوخة على الخصوبة، لكنَّه فقط يؤجِّل استهلاك بعض البويضات لبضعة أشهر.
معلومة إضافيَّة: بعض الدراسات تشير إلى أنَّ النساء اللواتي يحملن عدَّة مرات قد يصلن إلى سنِّ انقطاع الطمث لاحقًا، مقارنة بالنساء اللاتي لم يحملن أبدًا، لكن هذه العلاقة ليست مؤكَّدة علميًّا بشكل قاطع.
هل مخزون البويضات لدى مريضة تكيُّس المبايض أعلى؟
النساء المصابات بمتلازمة تكيس المبايض لديهن عادةً مستويات أعلى من هرمون AMH مقارنة بالنساء غير المصابات بهذه الحالة.
هذا يرجع إلى أن المبايض لديهن تحتوي على عدد كبير من الجريبات الصغيرة، ولكنها لا تصل إلى مرحلة النضج والإباضة بانتظام بسبب عدم التوازن الهرموني.
نتيجة لذلك، عندما يتم إجراء اختبار AMH، وهو المؤشِّر الأساسي لمخزون المبايض، يكون مستوى الهرمون أعلى من المتوسّط لدى مريضة تكيس المبايض.
لكن هل هذا يعني أنها أكثر خصوبة؟
ليس بالضرورة، لأنَّ المشكلة في تكيُّس المبايض ليست في عدد البويضات، بل في عدم نضوجها أو عدم خروجها من المبيض للإخصاب.
لماذا تعاني مريضة تكيُّس المبايض من مشاكل في الإنجاب رغم المخزون العالي؟
على الرغم من أنَّ النساء المصابات بتكيُّس المبايض لديهن عدد أكبر من البويضات، إلا إنَّ المشكلة تكمن في: عدم انتظام الإباضة أو غيابها: في الحالات الشديدة، قد تمرّ أشهر دون حدوث إباضة بسبب اختلال مستويات هرموني LH وFSH.
جودة البويضات قد تكون أقل: بعض الدراسات تشير إلى أنَّ البويضات الناتجة عن مبايض مصابة بالتكيُّس قد تكون أقل كفاءة للإخصاب، على الرغم من عدم وجود اتِّفاق علمي واضح على ذلك.
زيادة خطر الإجهاض: بعض الدراسات وجدت أنَّ النساء المصابات بـ PCOS قد يكون لديهن خطر أعلى للإجهاض المبكِّر بسبب ارتفاع مستويات الأندروجينات (الهرمونات الذكريَّة)، أو ضعف بطانة الرحم.
كيف يمكن لمريضة تكيُّس المبايض تحسين فرص الإنجاب؟
تحفيز التبويض بالأدوية: بعض النساء المصابات بـ PCOS قد يحتجن إلى أدوية مثل كلوميفين سيترات (Clomid) أو ليتروزول (Letrozole) لتحفيز الإباضة.
اتباع نظام غذائي متوازن: تقليل استهلاك السكَّر والكربوهيدرات المكرَّرة يساعد على تقليل مقاومة الأنسولين، ممَّا يحسِّن استجابة المبيض للإباضة.
ممارسة الرياضة: تحسين حساسيَّة الأنسولين يمكن أن يساعد في تنظيم التبويض.
مراقبة الوزن: حتى فقدان 5-10% من الوزن يمكن أن يحسِّن التبويض بشكل ملحوظ لدى النساء المصابات بـ PCOS.
تناول مكمِّلات مثل الإينوزيتول (Inositol): أثبتت بعض الدراسات أنَّ هذا المكمِّل يساعد في تحسين التوازن الهرموني لدى المصابات بتكيُّس المبايض.
هل يجب على مريضة تكيُّس المبايض القلق بشأن انخفاض مخزون البويضات؟
عمومًا، مريضة تكيُّس المبايض لا تعاني من انخفاض المخزون في سنٍّ مبكِّرة، لأنَّ لديها عددًا كبيرًا من الجريبات المبيضيَّة. ولكن مع تقدُّم العمر، كما هو الحال عند جميع النساء، يبدأ مخزون البويضات بالتراجع. لذلك، إذا كانت مريضة تكيُّس المبايض تفكِّر في تأجيل الإنجاب لفترة طويلة، فقد يكون من الأفضل استشارة طبيب نسائيَّة لمناقشة خيارات مثل تحفيز الإباضة، أو تجميد البويضات، إذا لزم الأمر.
هل تمنع وسائل منع الحمل استهلاك البويضات وتحافظ على المخزون؟
تُستخدم وسائل منع الحمل الهرمونيَّة مثل حبوب منع الحمل، واللولب الهرموني، والحقن لمنع الحمل من خلال إيقاف أو تقليل حدوث الإباضة. لكن هل يمكن أن تحافظ على مخزون البويضات وتحمي جودتها؟ دعونا نستكشف ذلك علميًّا.
هل تحافظ وسائل منع الحمل على مخزون البويضات؟
نعم، ولكن بشكل غير مباشر.
عندما تستخدم المرأة وسائل منع الحمل الهرمونيَّة، فإنَّها تمنع عمليَّة الإباضة جزئيًّا أو كليًّا، ممَّا يعني أنَّ المبايض لا تُطلق بويضات بشكل منتظم. وبالتالي، نظريًّا، يمكن أن يقلِّل هذا من استهلاك البويضات مقارنة بالمرأة التي تطلق بويضة كل شهر.
ولكن الحقيقة العلميَّة هي:
- البويضات التي لا تُطلق لا يتم تخزينها للاستخدام لاحقًا، بل تمرّ بعمليَّة طبيعيَّة تُعرف بـ الأتريسيا (Atresia)، حيث تتحلَّل وتموت تلقائيًّا.
- وسائل منع الحمل تمنع الإباضة، لكنَّها لا تمنع التراجع الطبيعي لمخزون البويضات مع العمر.
بالتالي، وسائل منع الحمل لا “تحفظ” البويضات للاستخدام المستقبلي، ولكنها قد تبطئ معدَّل استهلاكها.
هل تحسِّن وسائل منع الحمل من جودة البويضات؟
لا، ولكنَّها قد توفِّر حماية غير مباشرة للبويضات.
- حبوب منع الحمل وبعض الوسائل الهرمونيَّة تحمي المبايض من التلف التأكسدي، ممَّا قد يساعد في الحفاظ على جودة البويضات لفترة أطول.
- الدراسات تشير إلى أنَّ النساء اللواتي استخدمن وسائل منع الحمل لفترات طويلة، قد يكنَّ أقل عرضة لتكيُّس المبايض، ومتلازمة فرط الإباضة.
- بعض الأبحاث تشير إلى أنَّ استخدام وسائل منع الحمل يقلِّل من خطر الإصابة بسرطان المبيض، ممَّا قد يعكس تأثيرًا وقائيًا على صحَّة المبايض.
لكن عندما تتوقَّف المرأة عن استخدام موانع الحمل، تعود الإباضة إلى وضعها الطبيعي، ولا يكون هناك “مخزون محفوظ” يمكن الاستفادة منه لاحقًا.
هل يمكن أن تؤخِّر وسائل منع الحمل سنّ انقطاع الطمث؟
قد تؤخِّر ظهور أعراض انقطاع الطمث، ولكنَّها لا تؤجِّل انقطاع الطمث نفسه.
- بما أنَّ موانع الحمل تمنع الإباضة، قد تعتقد بعض النساء أنَّ ذلك سيؤخِّر انقطاع الطمث.
- لكن الحقيقة أنَّ سن انقطاع الطمث يعتمد على استنزاف مخزون البويضات الطبيعي، وليس فقط على الإباضة.
- عند التوقّف عن استخدام وسائل منع الحمل، يستمرّ انخفاض مخزون البويضات كما كان سيحدث طبيعيًّا، ولا يوجد “توفير” للبويضات.
بمعنى أنَّ وسائل منع الحمل قد تؤخِّر الأعراض، لكنَّها لا تغيِّر موعد سن انقطاع الطمث الفعلي.
هل يجب استخدام موانع الحمل للحفاظ على الخصوبة؟
وسائل منع الحمل ليست وسيلة لحفظ الخصوبة، لكنَّها قد تكون مفيدة لبعض النساء في حالات معيَّنة:
- النساء المصابات بتكيُّس المبايض (PCOS): تساعد حبوب منع الحمل في منع تطوّر الجريبات غير الناضجة وتحسين التوازن الهرموني.
- النساء المعرَّضات لانخفاض الخصوبة بسبب أمراض مثل بطانة الرحم المهاجرة (Endometriosis): يمكن أن تقلِّل حبوب منع الحمل من تطوّر المرض، وتحمي المبايض من التلف.
- النساء اللاتي يعانين من اضطرابات هرمونيَّة مثل ارتفاع هرمون LH الذي قد يؤثِّر على جودة الإباضة.
لكن إذا كنتِ ترغبين في حفظ خصوبتكِ، فإنَّ تجميد البويضات هو الحل الأكثر فعاليَّة.
كيف تحافظين على صحّتكِ الإنجابيَّة مع تقدُّم العمر؟
على الرغم من أنَّ العمر عامل رئيس في تحديد قدرة المرأة على الإنجاب، إلا إنَّ هناك العديد من الخطوات التي يمكن اتِّخاذها للحفاظ على صحَّة المبايض وجودة البويضات لأطول فترة ممكنة.
التغذية الصحيَّة ودورها في تحسين جودة البويضات
يؤثِّر النظام الغذائي بشكل مباشر على الصحَّة الإنجابيَّة، حيث يمكن للأطعمة الغنيَّة بالعناصر الغذائيَّة أن تدعم صحَّة المبايض، وتحسِّن جودة البويضات.
- مضادَّات الأكسدة: تحمي البويضات من التلف التأكسدي، ومن أهم مصادرها الفواكه الغنيَّة بفيتامين C مثل التوت، والبرتقال، والفراولة، بالإضافة إلى الخضروات الورقيَّة مثل السبانخ والبروكلي.
- أوميغا-3: تساعد الأحماض الدهنيَّة أوميغا-3 على تحسين تدفّق الدم إلى المبايض وتعزيز جودة البويضات، ويمكن الحصول عليها من الأسماك الدهنيَّة مثل السلمون والتونة، أو من مصادر نباتيَّة مثل بذور الكتَّان والجوز.
- البروتينات النباتيَّة: أظهرت الدراسات أنَّ تناول البروتينات النباتيَّة بدلاً من البروتينات الحيوانيَّة قد يكون له تأثير إيجابي على الخصوبة، لذلك يمكن التركيز على العدس، والحمص، والمكسِّرات.
- الحدّ من الكربوهيدرات المكرَّرة والسكريَّات: يؤدِّي ارتفاع مستويات الأنسولين في الدم بسبب استهلاك السكر المفرط إلى اختلال التوازن الهرموني، ممَّا قد يؤثِّر على التبويض.
إنّ النساء اللاتي يتبعن نظامًا غذائيًا غنيًّا بمضادّات الأكسدة وأوميغا-3 يتمتعن بصحّة إنجابيَّة أفضل، مقارنة بمن يعتمدن على الأطعمة المصنَّعة والمكرَّرة.
أهميَّة الحفاظ على وزن صحِّي
الوزن الزائد أو النحافة المفرطة قد يؤثِّران على التوازن الهرموني، مما يؤدِّي إلى اضطرابات في التبويض. تؤدّي السمنة إلى زيادة إنتاج هرمون الأستروجين، ممَّا يعيق عمليَّة الإباضة، في حين إنَّ نقص الوزن قد يتسبَّب في انخفاض مستويات الهرمونات الضروريَّة لدورة شهريَّة منتظمة.
أنَّ النساء اللواتي يحافظن على مؤشِّر كتلة جسم متوازن بين 18.5 و 24.9 لديهن فرص أعلى للحمل، مقارنة بأولئك اللواتي يعانين من السمنة أو النحافة المفرطة.
تقليل التعرُّض للسموم البيئيَّة
تشكِّل الملوثات البيئيَّة والمركبات الكيميائيَّة التي تتداخل مع الهرمونات (Endocrine Disruptors) خطرًا على الصحَّة الإنجابيَّة. تتواجد هذه المركَّبات في البلاستيك، والمبيدات الحشريَّة، ومستحضرات التجميل، وبعض أنواع الأطعمة المعلَّبة.
يمكن تقليل التعرّض لهذه السموم من خلال:
- استخدام منتجات العناية الشخصيَّة الطبيعيَّة والخالية من المواد الكيميائيَّة الضارة.
- تجنب تسخين الطعام في أوعية بلاستيكيَّة لتقليل التعرّض لمادّة BPA التي تؤثِّر على الهرمونات.
- تناول الأطعمة العضويَّة لتجنّب المبيدات الحشريَّة التي تؤثِّر على صحّة المبايض.
تقليل التوتّر والحفاظ على توازن الهرمونات
التوتّر المزمن يؤدِّي إلى إفراز مستويات عالية من هرمون الكورتيزول، والذي يمكن أن يؤثِّر على إنتاج الهرمونات الجنسيَّة مثل الأستروجين والبروجستيرون.
تشمل الطرق الفعالة لتقليل التوتّر وتحسين الصحَّة الهرمونيَّة:
- ممارسة اليوغا والتأمّل، حيث أظهرت الأبحاث أنَّ هذه التمارين يمكن أن تحسِّن من تنظيم الدورة الشهريَّة.
- تقنيات التنفّس العميق، التي تساعد على تقليل مستويات التوتّر وتحسين تدفّق الدم إلى المبايض.
- ممارسة الرياضة بانتظام، حيث يساعد النشاط البدني المعتدل مثل المشي والسباحة على تحسين الدورة الدمويَّة، ودعم الصحَّة الإنجابيَّة.
الفحوصات الدوريَّة واستشارة الأطباء
لضمان صحّة الجهاز التناسلي، من الضروري إجراء فحوصات دوريَّة تشمل:
- اختبار AMH لقياس مخزون المبايض.
- فحص FSH و LH لتقييم صحّة الهرمونات المسؤولة عن التبويض.
- التصوير بالموجات فوق الصوتيَّة لمتابعة صحّة المبيضين وحجم الجريبات.
كما يوصى بزيارة طبيب متخصِّص في الصحَّة الإنجابيَّة بانتظام لمناقشة أي مخاوف أو تغييرات في الدورة الشهريَّة.
ما هو خيار تجميد البويضات؟ وكيف يمكن أن يساعد في الحفاظ على الخصوبة؟
ما هو تجميد البويضات؟
تجميد البويضات (Oocyte Cryopreservation) هو إجراء طبِّي يتمّ فيه استخراج بويضات من مبيض المرأة، ثمَّ تجميدها وحفظها في بيئة خاصَّة لاستخدامها لاحقًا في التلقيح الصناعي عند الرغبة في الإنجاب.
لماذا قد تفكِّر المرأة في تجميد البويضات؟
- تأخير الإنجاب لأسباب شخصيَّة، أو مهنيَّة، أو اجتماعيَّة.
- تجنّب تراجع الخصوبة مع التقدّم في العمر.
- الإصابة بحالات طبيَّة مثل بطانة الرحم المهاجرة أو متلازمة تكيّس المبايض (PCOS) التي قد تؤثِّر على الخصوبة مستقبلًا.
- الخضوع لعلاجات قد تؤثِّر على القدرة الإنجابيَّة، مثل العلاج الكيميائي أو الإشعاعي.
كيف يتمّ إجراء تجميد البويضات؟
يتطلَّب تجميد البويضات عدَّة خطوات طبيَّة تشمل:
1. تحفيز المبايض
- يتمّ إعطاء المرأة أدوية هرمونيَّة (مثل FSH وLH) لتحفيز المبيض على إنتاج عدد كبير من البويضات بدلاً من بويضة واحدة فقط كما يحدث في الدورة الطبيعيَّة.
- تستمرّ هذه المرحلة لمدَّة 10 إلى 14 يومًا، وتتم مراقبة نمو الجريبات بالموجات فوق الصوتيَّة.
2. سحب البويضات من المبيض
- بعد التأكّد من وصول الجريبات إلى الحجم المناسب، يتمّ إعطاء حقنة تؤدِّي إلى نضوج البويضات النهائيَّة.
- بعد 36 ساعة، يتمّ إجراء عمليَّة سحب البويضات تحت تأثير التخدير الخفيف باستخدام إبرة موجَّهة بالموجات فوق الصوتيَّة.
- تستغرق العمليَّة حوالي 15-20 دقيقة فقط.
3. تجميد البويضات
- يتم تقييم البويضات المسحوبة، ثمّ يتمّ تجميدها باستخدام تقنية التجميد السريع (Vitrification)، التي تمنع تشكّل بلورات ثلجيَّة قد تضرّ بالبويضات.
- يتم تخزين البويضات في بيئة نيتروجين سائل بدرجة حرارة -196°C، حيث يمكن أن تظل صالحة للاستخدام لسنوات طويلة دون أن تفقد جودتها.
ما هي فرص النجاح في الحمل باستخدام البويضات المجمَّدة؟
- تعتمد فرص نجاح الحمل باستخدام البويضات المجمَّدة بشكل أساسي على العمر الذي تمّ فيه تجميد البويضات، وليس على العمر الذي تُستخدم فيه لاحقًا. كلَّما كانت المرأة أصغر سنًّا عند إجراء التجميد، كانت جودة البويضات أفضل، ممَّا يزيد من احتماليَّة نجاح الحمل عند استخدامها في المستقبل. إذا تمَّ تجميد البويضات قبل سنّ 35 عامًا، فإنَّها تكون ذات جودة أعلى، وبالتالي تكون فرص نجاح التلقيح الصناعي أكبر. أمَّا إذا تمَّ التجميد بعد سنّ 35 عامًا، فقد تكون جودة البويضات أقل، ممَّا قد يؤدِّي إلى انخفاض فرص نجاح الإخصاب والحمل لاحقًا.
هل يمكن إنجاب أكثر من طفل باستخدام البويضات المجمَّدة؟
تجميد البويضات لا يمنح المرأة فرصة وحيدة للإنجاب، بل يمكن أن يتيح لها أكثر من محاولة للحمل إذا تمَّ تجميد عدد كافٍ من البويضات. وفقًا للبيانات الطبيَّة، تتراوح فرصة نجاح الحمل من بويضة مجمَّدة واحدة بين 4-12%، لذا كلَّما زاد عدد البويضات المجمَّدة، زادت فرص النجاح. تشير الدراسات إلى أنَّ النساء اللواتي يجمِّدن 15-20 بويضة قبل سن 35 عامًا يتمتَّعن بفرصة أعلى لتحقيق حمل ناجح.
عند استخدام البويضات المجمَّدة، لا يتمّ إذابة بويضة واحدة فقط، بل مجموعة من البويضات (عادةً 5-10 أو أكثر) لأنَّ ليس كل بويضة ستنجو من الإذابة أو تتخصَّب بنجاح. حيث تتراوح نسبة النجاة بعد الإذابة بين 75-90%، بينما تتراوح نسبة التخصيب الناجح بين 50-80%. بعد الإخصاب، تنمو الأجنَّة في المختبر لمدَّة 3-5 أيام حتى تصل إلى مرحلة الكيسة الأريميَّة (Blastocyst)، ثم يتم نقل جنين واحد أو أكثر إلى الرحم وفقًا لحالة المرأة الصحيَّة وعمرها. في حال نجاح الانغراس، يحدث الحمل، بينما يمكن تجميد الأجنَّة المتبقية لاستخدامها لاحقًا. إذا نجح الحمل الأول، يمكن استخدام هذه الأجنَّة لمحاولة حمل ثانية، ممَّا يعني أن المرأة قد تتمكَّن من إنجاب أكثر من طفل باستخدام نفس مجموعة البويضات المجمَّدة، دون الحاجة إلى سحب بويضات جديدة.
ما تكلفة تجميد البويضات؟
التكلفة تختلف حسب البلد والمركز الطبِّي، لكنها تتراوح عمومًا بين:
- 3,000 إلى 10,000 دولار أمريكي لإجراء التجميد الأوَّلي (يشمل التحفيز الهرموني وسحب البويضات).
- 300 إلى 600 دولار سنويًّا كرسوم تخزين البويضات في المراكز الطبيَّة المتخصِّصة.
ماذا لو لم يكن تجميد البويضات خيارًا متاحًا؟
تجميد البويضات هو أحد الحلول التي تتيح للمرأة الحفاظ على خصوبتها، ولكنَّه قد يكون مكلفًا وغير متاح للجميع. إذا لم يكن خيارًا متاحًا، يمكن التركيز على العوامل التي تعزِّز الصحة الإنجابيَّة بشكل طبيعي، مثل تحسين نمط الحياة، ومراقبة الصحَّة الهرمونيَّة، واللجوء إلى خيارات بديلة مثل المكمِّلات الغذائيَّة التي تدعم صحَّة المبايض.
خاتمة
الخصوبة ليست ثابتة، لكنَّها أيضًا ليست مسألة محسومة، إذ يمكن للمرأة أن تتَّخذ العديد من الخطوات للحفاظ على صحَّة جهازها التناسلي. التوازن بين الغذاء الصحِّي، والوزن المثالي، وتقليل التعرُّض للسموم، والتعامل مع التوتّر يمكن أن يصنع فارقًا حقيقيًا. الأهم هو أن تكوني واعية بجسدكِ واحتياجاته، وأن تتَّخذي قرارات مدروسة بناءً على الحقائق العلميَّة والطبيَّة المتاحة.
الوقت ليس عدو المرأة، لكن تجاهل الصحَّة الإنجابيَّة قد يكون. يبدأ الاهتمام بالصحَّة الإنجابيَّة منذ اللحظة التي ندرك فيها أهميتها، وليس عندما يصبح الأمر أكثر تعقيدًا.